في مقال السياسة الخارجية: هل حكومة اليمن متواطئة مع تنظيم القاعدة؟

سماء الهمداني 

لمدونة مركز بروكينز القانونية
الاحد، مايو ١١، ٢٠١٤ الساعة ١٠:٠٠ صباحا

ملاحظة المحرر: يعتبر اليمن من بين الحلفاء الأكثر إرباكا للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. وكما هو الحال في باكستان فان حكومة صنعاء على تعتبر شريكا أساسيا وجزءا من المشكلة في نفس الوقت. ومن ناحية، يوجد في اليمن أهم اتباع تنظيم القاعدة، ويدعم النظام اليمني عمليات الطائرات بدون طيار الامريكي، ضمن تدابير أخرى لمكافحة الإرهاب. ومن ناحية أخرى، استمرت الانتقادات في تقارير عديدة لعدم كفاءة الحكومة اليمنية وحتى تواطؤها مع الجماعات الجهادية.

***

أعلن الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي في 10 أبريل 2013، إعادة هيكلة الجيش اليمني، الذي جعل الحكومة أضعف من أي وقت مضى. حيث تم استبدال العديد من كبار المسؤولين العسكريين، وتم نقل آخرين إلى وظائف جديدة لا تناسب خلفياتهم، ويستمر الصراع من وراء الكواليس بين جهازي الأمن السياسي والأمن القومي - جهازي الاستخبارات الرئيسيان في البلاد-. ونقسم الحكومة أيضا بحسب الولاءات السياسية والقبلية.

ومن الطبيعي في ظل هذه البيئة، أن تتعثر جهود مكافحة الإرهاب. لكن السؤال هو "هل الحكومة اليمنية تبذل قصارى جهدها لمحاربة الإرهاب؟ ". شهدت اليمن العديد من الاغتيالات وعمليات تهريب السجناء، بالإضافة للهجمات الإرهابية، وكلها تثير تساؤلات حول قدرة نظام هادي واستعداده لمحاربة الإرهاب.

ان مشكلة تهريب السجناء تعتبر متجذرة في اليمن فالإرهابيين قد يقعون رهن الاحتجاز، لكن كثيرا ما ينتهي بهم الأمر طلقاء. وهنالك حدث هروب من السجن لا ينسى في العاصمة صنعاء  في عهد صالح سلف هادي خلال العام 2006. حيث فر ثلاثة وعشرون سجينا من سجن الأمن السياسي، والذي يقع في واحدة من أكثر الاحياء أمانا في صنعاء. حيث نشر أن المعتقلين حفروا نفقا من زنازينهم إلى مسجد قريب باستخدام معظم ادوات بسيطة كالملاعق. ناقش العديد من اليمنيين في الفيسبوك وجهات نظرهم أفادت في مجملها أنه على الأقل وجود تواطؤا من المسؤولين الحكوميين في عملية الهروب. وبرزت نظريتان محتملتان: إما اهمال حراس السجن في التحقق بانتظام من الإجراءات الأمنية المحيطة بالسجناء، أو أن الحراس على دراية بما يفعله السجناء وربما ساعدوهم في الهروب.

لعدة سنوات بعد ذلك، كانت معظم عمليات الهروب بوتيرة أقل وتشمل هروب واحد أو اثنين فقط من السجناء حتى قيام الثورة اليمنية في عام 2011، والتي شهدت تنازل الرئيس علي عبد الله صالح عن منصبه، عادت عمليات الهروب الجماعية مرة أخرى في الارتفاع. ففي يونيو من نفس العام، فر 67 سجينا من سجن في مدينة المكلا عبر حفرهم لممر تحت الأرض بلغ 45 مترا. وبعدها بأشهر قليلة، فر 16 سجينا، 13 منهم أعضاء في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من سجن في عدن بعد حفرهم لنفق بطول 39 متر. ان عملية حفر أنفاق ضخمة وكبيرة بما يكفي للسماح للعديد من الذكور البالغين بالمرور بأمان يفترض أن يكون صعبا إلم يكن مستحيلا على سجناء يفترض خضوعهم لمراقبة بعناية مع منع حصولهم على مواد من المحتمل استخدامها في الحفر، خاصة بعد حادثة الهروب الجماعي في عام 2006. ومع ذلك، فإن العدد الكبير من السجناء الهاربين بنجاح من خلال هذه الأنفاق يؤكد عكس ذلك. هناك شيء خاطئ هنا بشكل واضح للعيان، إما حراس السجن ما لا يتمتعون بالكفاءة، وهذا مثير للسخرية، أو (من المحتمل جدا) تواطؤ حراس السجن مع القاعدة في جزيرة العرب. قبل أيام قليلة، كشفت رويترز ان سجن صنعاء المركزي -وبالتالي وزارة الداخلية أيضا- تلقوا تحذيرات عن اقتحام محتمل للسجن، قبل شهرين من وقوع الحدث. وبالتالي فان اختراق القاعدة في جزيرة العرب لنظام الأمن اليمني قد يطال مسؤولين أمنيين يمنيين رفيعي المستوى.

ولكن في حين أن بعض منتسبي قطاع الأمن اليمني متواطئين مع الإرهابيين، نجد البعض الآخر في كثير من الأحيان هدفا لعمليات القاعدة في جزيرة العرب. فالهجمات التي نفذت ضد الجيش وأجهزة الأمن لم تكن بغرض تخويف الضباط ومنعهم من أداء عملهم فقط، بل انها تشير إلى مستوى معين من اختراقهم للمنظومة الامنية. ففي عدد من العمليات الكبيرة نجد المهاجمين يرتدون الزي العسكري ويتجاوزون نقاط التفتيش الأمنية والتفتيش في مداخل الأماكن المستهدفة. وعلى سبيل المثال، قبل عامين، قام انتحاري في مدينة صنعاء بقتل 90 جنديا عندما تسلل الى عرض عسكري، مما حدا بالبعض إلى التكهن بأن المهاجم قد كان له بطاقة هوية عسكرية وهمية. وقد نفذت هجمات إرهابية مماثلة ضد تدريبات عسكرية، أكاديميات الشرطة منذ وقت قريب، وعلى القواعد العسكرية. وخلال الأشهر الستة الماضية، تعرضت كلية الشرطة في صنعاء لهجوم هجوم انتحاري أسفر عن مقتل 20 متقدما، وتم ذبح 20 شخصا في محافظة شبوة عندما انفجرت سيارتين في معسكر للجيش، كما ان العديد من القواعد العسكرية في أبين تعرضت لهجوم وسيطر الإرهابيين على مقر المنطقة العسكرية الثانية للجيش في المكلا.

ثلاثة أشياء تحدث في وقت واحد في اليمن: أولا، أفراد الجيش والأمن خائفون جدا للوقوف في وجه المسلحين ويفضلون الاستسلام والتعاون بدلا من الموت على يد القاعدة في جزيرة العرب. الثانية، يجري رشوة بعض المسؤولين الأمنيين للعمل من أجل القاعدة في جزيرة العرب أو على الأقل غض الطرف عما تعمل القاعدة. والثالث، "المفسدين" (أفراد في المجتمع يعتقدون بأن السلام والاستقرار "يهدد قوتهم، ونظرة العالم لهم، وكذلك مصالحهم، ويستخدمون العنف لابقاء الأمور على ما هي عليه"، تماما كما تعمل القاعدة في جزيرة العرب ومثيلاتها) يستغلون الفوضى في الفترة الانتقالية بعد الثورة لتدمير الجيش اليمني واضعاف المنظومة الأمنية.

لسوء الحظ، يبدو أن الوضع يزداد سوءا، وليس على نحو أفضل، والفراغ الأمني ما يتعاظم بمرور الوقت. فمنذ العام 2011، كانت ردود فعل الحكومة على الإرهاب يمكن وصفها بالمتناقضة في أحسن الأحوال. يوم 29 أبريل عام 2014، أطلقت وزارة الدفاع وجهاز الأمن القومي معركة على الأرض ضد القاعدة في جزيرة العرب في محافظات أبين ولحج. وكانت تلك هي ثالث معركة على أرض الواقع منذ عام 2012، لكن تفاصيلها لا تزال غير دقيقة: حيث تم الإبلاغ عن وفاة نشطاء في القاعدة لكن لا تزال المعلومات غير مؤكدة. وبرغم تعزيز العمليات ضد الإرهاب بالطائرات بدون طيار؛ على الأرض، يتم التكتم على المشتبه بتورطهم في الارهاب مجهول في كثير من الحالات وعملية التحقيق والعقاب غير واضحتي المعالم. كما وصف ذلك الشاعر والكاتب اليمني نبيل سبيع ببلاغة قائلا " فتحت الحكومة سمائنا للطائرات بدون طيار، وأراضينا للإرهابيين".

ان غياب المساءلة في الحكومة اليمنية وعدم حرصها على جيشها وشعبها مكن القاعدة في جزيرة العرب من استغلال الوضع لصالحها. كما ان فهم القاعدة في جزيرة العرب لمكامن الضعف في الجهاز العسكري اضحى واضحا تماما، وكل هجوم يبدو أكثر طموحا من ذي قبل. حيث بث المركز الاعلامي للقاعدة في جزيرة العرب شريط فيديو في 29 مارس عام 2014، يظهر جوانب الاحتفال "بالعودة الآمنة" لعدد من أعضائها بفرارهم من السجن في 14 فبراير، حيث تباهى السجناء بصنع المتفجرات بمعدات سلمت لهم من قبل أفراد لم يسموهم في السجن.

وكان شريط الفيديو مثيرا للدهشة حيث أظهر مدى حرية الحركة التي يتمتع بها القاعدة في اليمن وسلط الضوء على عدد متزايد من المتعاونين والمتعاطفين معهم. رئيس القاعدة في جزيرة العرب ناصر الوحيشي، أعلن في ذلك الشريط أن إبراهيم الربيش الذي كان يحمل الجنسية السعودية هو الآن ساعده الأيمن. وظهرت القاعدة كوحدة متماسكة لديها الكثير من النجاحات تحققت مؤخرا تبرر الاحتفال. ورغم ان للفيديو أغراض دعائية فانه يهدف أيضا لتعزيز جهود القاعدة في تجنيد أعضاء جدد من الشباب العاطلين عن العمل وهم كثر في البلاد، كما نه يبين بما لا يدع مجالا للشك توفر حماية من قبل افراد ذوي نفوذ في اليمن.

وبعد أيام فقط من بث الشريط، نفذت هجمات على المواقع العسكرية، بما في ذلك هجوم في 2 أبريل، الذي استهدف المنطقة العسكرية الرابعة للجيش اليمني في عدن بهجوم انتحاري أسفر عن مقتل عدد من الجنود والمدنيين. وبعد كل انتصار للقاعدة في جزيرة العرب، تتعز ثقتهم بأنفسهم. وينعكس هذا في زيادة وتيرة الهجمات وجرأتها. واستنادا إلى ما سبق، من المرجح أن تستمر القاعدة في جزيرة العرب في استهداف المسؤولين العسكريين والأمنيين في جميع أنحاء البلاد، بمعدل أكبر وأشد.

وفي مواجهة هذه الأزمات الأمنية المتكاثرة، كان رد فعل حكومة هادي تعيين قادة أمنيين جدد. ففي يوم 7 مارس عين اللواء عبده الترب وزيرا للداخلية، وتم استبدال غالب القمش، الذي رأس جهاز الأمن السياسي لثلاثة عقود تقريبا، بالجنرال جلال الرويشان. وبعد حادثة اقتحام سجن صنعاء المركزي، عين الرئيس هادي 20 من الضباط الجدد في القوات المسلحة. لسوء الحظ، اثبتت تلك التغييرات انها كانت بسيطة جدا ومتأخرة جدا.

لقد قدم الرئيس هادي للولايات المتحدة المزيد من الصلاحيات في مكافحة الإرهاب في اليمن، حيث أيد علنا استخدام الطائرات بدون طيار في اليمن في سبتمبر 2012، وذلك في محاضرة القاها في مركز وودرو ويلسون الدولي. حيث أشاد بتعاونه مع الولايات المتحدة بكونه لم يسبق له مثيل، وإعلانه القاعدة في جزيرة العرب ب "الأعداء" جعلت نظامه وحلفائها هدفا لهجمات القاعدة في جزيرة العرب. لقد تمكن هادي من تأسيس نفسه باعتباره أحد اللاعبين في السلطة منذ العام 2012، ومع ذلك، فإن ميزان القوى في البلاد لا يزال في غير صالحه تماما، فقدرة هادي على تنفيذ قرارات تقوم على التعاون والموافقة من مراكز قوة أخرى. وعلاوة على ذلك، فإنه سيكون من الصعب جدا وضع حد لاختراق القاعدة للمنظومة الأمنية.

ان الحكومة هادي معنية بالقيام بكثير من التدابير الجذرية الضرورية لمواجهة والقضاء على التهديد الإرهابي في اليمن. فالتعيينات العسكرية الجديدة للرئيس هادي بحد ذاتها تمثل بداية جيدة، لكن الجيش الضعيف يجعل هذه الاستراتيجية وحدها للقيام لا تكفي. يجب أن تتضح عمليات الفساد والتواطؤ التي سمحت بفرار السجناء، ومحاكمة ومعاقبة الأطراف المشاركة في دعم مثل هذه الجرائم. وبالتالي فالطريقة الوحيدة لكسب هذه الحرب هي من خلال المواجهة لجذور الإرهاب المحلية ودحض أيديولوجية الإرهابيين. والتوسع الأخير للقاعدة في جزيرة العرب هو نتيجة لغياب سيادة القانون في البلاد التي تعاني من الفقر المدقع والظلم السياسي واقتصادي الكبير. وعليه يجب توفر حلول واقعية تشمل برامج من شأنها تطوير البنية التحتية، والحد من الفقر، وخفض معدلات البطالة المرتفعة وخاصة بين أوساط لشباب وتعزيز ثقافة التوافق والتماسك في النسيج الاجتماعي. ومن الضروري أيضا أن تعزيز السلطة المحلية. وأخيرا، يجب على الحكومة اليمنية أن تشجع على التسامح كجزءا لا يتجزأ من ممارسة الإسلام الصحيحة في اليمن وتحرير التعليم الديني من قيود الغلو والتطرف.